السلامة المهنية.. حوادث وأضرار وثقافة "بوس الشوارب" مازالت هي السائدة تحقيقات
مهندس في مؤسسة الكهرباء: لا سلطة على متعهدي المشاريع لإلزامهم بإتباع إجراءات الوقاية
جمعية السلامة المهنية : نحاول نشر الثقافة المهنية وإيجاد قانون خاص لكن لا تجاوب رسمي لمطالبنا
كل ساعة تحدث إصابة في سوريا بسبب عدم إتباع إجراءات السلامة المهنية التي مازالت "مرتبطة بثقافة المواطنين" دون وجود جهة مختصة تشرف عليها، واقتصرت على بعض اللجان "الشكلية" في المؤسسات العامة وجمعيات أهلية "هامشية" تنادي بسن تشريعات أكثر جدوى، ولا تلقى أذانا صاغية.
حوادث عديدة يتعرض لها كل من عمال الشركات والمواطنين جراء إهمال إجراءات السلامة وعدم التقيد بها، بالرغم من تذرع الشركات العامة بوجود قوانين ولجان مختصة تفرض على العمال إتباعها تحت طائلة العقوبات التي تصل في بعض الأحيان إلى الخصم من الراتب، لكن العمال لا يلتزمون بسبب انتشار ثقافة "بوس الشوارب" وعدم الوعي بأهمية هذه الإجراءات.
حوادث وأضرار..
رصدت سيريانيوز عدة حوادث تعرض لها مواطنون وذلك جرّاء عدم تقيد الشركات بالسلامة المهنية، كان عبد السلام هيكل ضحية " إهمال عمّال المصاعد أثناء الصيانة" حيث يروي ما جرى له قائلاً " وجدت باب المصعد مفتوحا في الطابق الأرضي وضوءه مطفأ حيث جرت العادة أن يضيء عند دخولنا إليه, ولم تكن هناك أية إشارات تنبيه تشير إلى أن المصعد قيد الصيانة".
وتابع " سقطت من ارتفاع 3 أمتار إلى الأسفل نتيجة إهمال عمال الصيانة، وأصبت بعدة جروح ورضوض، ولو كنت في الطوابق العلوية لكان الموت حتمي".
وحول إجراءات السلامة الواجب إتباعها في حال صيانة المصاعد، قال مدير شركة المصاعد التي يتبع لها المصعد المذكور، غسان مدور إن " الشركة تقوم بوضع لائحة خشبية على أبواب المصاعد للتنبيه، أو تقوم بوضع "أقماع" بلاستيكية، لأن الأشرطة اللاصقة غير مجدية فمن الممكن لأي شخص أن يهملها لصغرها أو أن يزيلها الأطفال، حيث أننا لا نتبع تلك الإجراءات إلا في حال الإصلاحات الخطيرة والتي تحتاج لوقت طويل، لكن الإصلاح الأخير لم يكن يحتاج لأكثر من ساعة".
وفيما يتعلق بحادثة عبد السلام كانت لشركة المصاعد مبرراتها الخاصة، قال مدور "سكان البناء أنفسهم غير واعيين بأهمية إجراءات السلامة بالنسبة لباب المصعد غير الآمن" وحملهم المسؤولية في الحادث موضحا ان " الحق على اهل البناء، نحن نقول لهم منذ 5 سنين بأن أبواب المصعد أصبحت قديمة وغير آمنة، ونبهناهم إلى تركيب أبواب جديدة مزودة بمستلزمات الأمانة".
وأردف إنه " من المفترض أن لا يفتح باب المصعد يدوياً رغم قدمه في حال وقوفه بغير طابق أو في حال إطفائه إلا بواسطة مفتاح المصعد الخاص، فالمصعد وقت الحادثة كان في الطابق الأرضي وقد رُفع متر ونصف يدوياً لأنه مطفأ، إلا أن سكان البناء معتادين على فتح الباب يدوياً دون التأكد من عدم وجوده".
خسائر مادية لغياب شاخصات التنبيه
لم تكن شركة المصاعد هي الوحيدة التي تهمل إتباع إجراءات السلامة، ففي حادث آخر مشابه إلى حد ما، نجا (محمد عوكر)من الأضرار الجسدية، ليتكبد خسائر بما يقارب الـ100 ألف ليرة سورية , وذلك بعد ارتطام سيارته بمنصف لم توضع إلى جانبه شاخصات تنبيه واضحة تدل على وجود حفريات بالقرب منه، وقال عوكر لسيريانيوز" لم ألحظ وجود الأتربة والحفريات المقامة على الشارع لعدم وجود الشاخصات, وعند محاولتي الهرب منها اصطدمت بمنصف موجود بالقرب من هذه الحفريات، والذي كان مغطى بمياه الأمطار" مضيفاً " تكبدت خسائر مادية جراء الأضرار التي تعرضت لها سيارتي, وما دفعني إلى عدم متابعة الموضوع لدى الجهات المختصة هو تأكدي من عدم وجود جهة معنية تتكفل بتعويضي مادياً".
إجراءات السلامة تخضع لأخلاقيات المتعهد
وفي متابعة لإجراءات السلامة المهنية المتخذة في بعض مؤسسات القطاع العام في سورية، التقت سيريانيوز بمدير الشؤون الإدارية في الشركة العامة للصرف الصحي بدمشق محمد الغزالي وقال إن " الشركة تلزم المتعهدين الذين ينفذون مشاريع الشركة بتنفيذ إجراءات السلامة المهنية كافة للمشروع( كالشاخصات والأقماع وأشرطة التنبيه) عبر عقد مبرم معهم، حيث أننا نقوم بدورنا من خلال جهاز إشراف مختص بمتابعة إنجاز المشروعات بكافة وسائل السلامة و بشكل يومي".
وأضاف "إن إلزام المتعهد بوضع الشاخصات التحذيرية وغيرها، أو إلزامه بقوانين السلامة العامة والمهنية يعود إلى ثقافته الخاصة".
وعن ما يتضمنه العقد بين الشركة والمتعهد من بنود حول إجراءات السلامة المهنية أردف الغزالي إن "العقد يتضمن نص واضح يطلب من المتعهد وضع إشارات ولوحات فسفورية تحذيرية لتوجيه المركبات والآليات والمشاة على طول وبداية ونهاية الخندق المحفور، إضافةً إلى إنارته ليلاً مع حواجز لتجنب أية أخطار"لافتاً إلى انه " لا نلزم المتعهد بعدد الشاخصات أو غيرها وتبقى هذه حسب الحاجة التي يراها" .
وحول وجود جهة مختصة لمتابعة إجراءات السلامة في الشركة، أردف الغزالي إن "الشركة تملك لجنة خاصة للسلامة المهنية تجتمع بشكل دوري، وموزعة حسب مناطق عمل الشركة، لتقوم بمتابعة شؤون وقاية عمالنا، الذين نلزمهم بارتداء بدلات خاصة وكمامات وخوذ، فمن يقوم بمخالفة التعليمات لهذه الإجراءات يطبق بحقه عقوبات إدارية تصل للخصم من الراتب في بعض الأحيان" مشيراً إلى انه "من الأفضل وجود دائرة مؤلفة من خبراء لتشرف على أعمال ومشاريع جميع مؤسسات الدولة فيما يتعلق بشؤون السلامة المهنية، لتطبيق تعليمات السلامة بشكل حرفي ودقيق أكثر".
حسومات للمتعهد
أما عن عقوبات المتعهد الغير ملتزم بإجراءات السلامة، قال مدير الشؤون الإدارية في الشركة العامة للصرف الصحي " يتحمل المتعهد حصول أية أضرار تصيب الغير نتيجة عدم الالتزام بإجراءات السلامة المنصوص عليها في العقد، بحيث يتم توقيف 2,5 % من مستحقات الأعمال المنجزة في كل كشف شهري والداخلة في العقد، ولا يصرف المبلغ الموقوف إلا إذا قدم جهاز إشراف الشركة تقريراً يفيد بتنفيذ كافة إجراءات السلامة مدعوماً بالصور".
وتابع" هناك بعض الأمور الخارجة عن إرادتنا ولا يمكن ضبطها، كسرقة "ريكارات" الصرف الصحي من الشوارع ما يسبب بعض الحوادث كسقوط أشخاص فيها أو اصطدام السيارات، وعلى ذلك تقوم الشركة حالياً بمخاطبة أكثر من جهة لتوفير "ريكارات" غير قابلة للسرقة مزودة بوسائل حماية كالقفل وغيره لمنع حدوث أية مشاكل".
وكشف الغزالي ان " هناك بعض الحوادث التي وقعت أثناء تنفيذ بعض المشاريع نتيجة إهمال المتعهد "للقساطل البيتونية" مكان تنفيذ المشروع، وبناءً على هذا قامت الشركة بإجبار كافة المتعهدين بعدم ترك أي (قسطل بيتوني) مكان العمل ".
وأردف مدير الشؤون الإدارية في الشركة العامة للصرف الصحي في دمشق إن " العقد الذي يوقع بين الشركة والمتعهد ينص على عدم قطع الأشجار مكان العمل ، وإزالة وترحيل جميع المواد الفائضة والنفايات والأوساخ من موقع العمل، إضافةً إلى إبعاد جميع الأدوات والمعدات والآليات من موقع العمل بعد الانتهاء".
القطاع العام لا يملك سلطة الإلزام
التقت سيريانيوز أحد مهندسين الشركة العامة لكهرباء دمشق (مفضلاً عدم ذكر اسمه) وقال إن " القطاع العام لا يملك سلطة الإلزام على متعهدي المشاريع لفرض إتباع إجراءات الوقاية على عمال الورشات، حيث يتلخص دور الشركات العامة في الإشراف على آلية التنفيذ فقط دون التدقيق بتطبيق إجراءات الوقاية والسلامة المتبعة، الأمر الذي يعود لثقافة المتعهد نفسه".
وعن تعرض عمال الكهرباء للخطر أثناء تسلقهم الأعمدة للصيانة دون أخذ الحيطة اللازمة، أضاف المهندس" في بعض الأحيان يكون عملنا في مناطق حساسة او قرب السفارات ، ما يتطلب منا الإسراع في الإنجاز وعدم إعاقة السير في المنطقة.
ولهذا السبب-بحسب المهندس- "لا يحضرون رافعة للعمال اثناء عملهم " لاقتاً إلى أن" أعمدة الكهرباء مزودة بدرجات حديد تمكن العامل من الصعود عليها دون انزلاق، إضافةً إلى الحزام الذي يشده على خصره عند الوصول للأعلى حتى لا يقع".
أجهزة ومعدات ودوائر تدريب
بدوره تحدث المدير العام للشركة العامة لكهرباء دمشق عبد الله حنجر لسيريانيوز، عن قيام الشركة بجميع واجباتها فيما يتعلق بحماية عمالها، وقال إن" الشركة العامة لكهرباء محافظة دمشق تقوم بتأمين كافة المستلزمات والأدوات وأجهزة الأمان لعامليها في ورشات الصيانة والطوارئ ومحطات ومراكز التحويل حفاظاً على حياتهم من عمليات الصعق وخطر الكهرباء".
وعن ضرورة توفر الأجهزة والأدوات التي تحمي العمال من الاصابات، قال حنجر " يتم تزويد العاملين بقاذف تحريري للتوتر و قبعات واقية و كاشف رقمي للتوتر المنخفض و قفازات عمل و أحزمة أمان و كفوف عازلة مختلفة ولوحات تحذيرية للورشات، وسجادة عازلة في مراكز التحويل و أجهزة "تأريض" بمختلف أشكالها"
وأضاف حنجر" تقوم الشركة من خلال دائرة التدريب والأمن الصناعي بإقامة دورات تدريبية وندوات تثقيفية بإتباع قواعد السلامة العامة وتنفيذ التعليمات باستخدام مستلزمات الأمن الصناعي أثناء العمل بالإضافة إلى القيام بالجولات الميدانية على الورشات العاملة في صيانة الشبكات والكابلات الأرضية والهوائية ومحطات ومراكز التحويل".
وعن عقوبة العمال الغير ملتزمين بإجراءات السلامة المهنية، أردف حنجر" تقوم الشركة بالإطلاع على مدى تقيد العاملين بقواعد السلامة العامة والتنفيذ للتعليمات على ارض الواقع، وتلجأ إلى مبدأ" الثواب والعقاب" حيث أن العمال الملتزمين بالتعليمات يتم منحهم المكافآت التشجيعية بالإضافة إلى توجيه العقوبات اللازمة من التنبيه والإنذار حتى عقوبة الحسم من الراتب للعمال الغير الملتزمين، وذلك حرصاً على سلامتهم والحد من مستوى الإصابات مع المحافظة على جودة العمل وكفاءة التنفيذ ".
ثقافة "بوس الشوارب"
لم يفرق رئيس الجمعية السورية للسلامة المهنية محمد حوا ، بين مجالات العمل كافة ، حيث أن" جميعها تتطلب التقيد بإجراءات السلامة المهنية مهما اختلف مجال العمل" ، وقال لسيريانيوز إن "موضوع السلامة المهنية لا يقتصر على العمّال بالمعنى الدقيق لأننا نعتبر الطبيب و المدرس عمالاً في مجالاتهم كما أنهم مواطنين, وغايتنا هي الوقاية من الحوادث وخلق أجواء متينة للسلامة المهنة"
وأضاف إن " عمال القطاع العام تحديداً، لا يتقيدون بلباس السلامة المحدد لهم (كالخوذة, الكمامة, القفازات) وإن تم ارتداؤها فلا يتم التقيد بها بشكل صحيح, كاستخدام الكمامة الواحدة لأشهر عديدة بينما هي مخصصة للاستخدام مرة واحدة فقط, وذلك حسبما شاهدته في أحد المصانع".
أرجع حوا عدم التزام العمال بلباس السلامة إلى ضعف التوعية بأمور السلامة، وقال "للثقافة العامة في مجتمعنا تأثيراً كبيراً على إلزام أصحاب العمل والعمال عامةً بإجراءات السلامة المهنية المتبعة, حيث أن أغلب العمال الذين يتعرضون لإصابات أثناء أدائهم لعملهم, تنتهي "ببوسة شوارب" دون مطالبتهم لحقوقهم و تأميناتهم الاجتماعية, رغم أن الإحصائيات الرسمية (لوزارة الشؤون الاجتماعية) تشير إلى وجود إصابة عمل واحدة كل ساعة في سورية, وهي إحصاءات غير دقيقة بسبب انتشار ثقافة "بوس الشوارب" التي ذكرناها".
و أوضح حوا"للأسف نحن مقيدون بالتشريعات الموجودة في سورية يما يخص السلامة المهنية، ويقتصر دورنا حالياً بمحاولات لتفعيل هذه القوانين وتطبيقها كخطوة أولى" لافتا إلى أنه "تعمل الجمعية حالياً إلى نشر ثقافة السلامة المهنية وإيجاد قانون خاص به, لكن للأسف لا يوجد تجاوب رسمي لمطالبنا".