شهادات الـ"سواقة" بين المحسوبيات والواسطة.. ولكل لجنة مفتاح تحقيقات
وزارة النقل: نعمل على نظام جديد ومؤتمت للفحص سيقضي على الواسطة
خبير حوادث: حسن تأهيل السائقين يعتبر من أهم ركائز سلامة النقل
دورة تدريب في مدرسة خاصة، لجنة فاحصة من مهندسي وزارة النقل، فحص عملي، فحص نظري، لجنة فاحصة من المرور.
كل هذه الإجراءات لم تحل دون تدخل "المال والمعارف والمحسوبيات.." للحصول على إجازات "سوق" تقفز فوق كل الحواجز، وذلك وفقا لعدد من المصادر.
قسط كبير من الانتقادات تتوجه الى المدارس، التي أصبح همها الأول "جمع الأموال" بحسب -مصدر مطلع -موضحا أن "إجازات السوق، تخفي خلفها عمليات فساد تصل إلى مليارات الليرات السورية"، هذا ما نفاه صاحب إحدى المدارس مشيرا إلى أن "الأجور المعتمدة للتدريب غير كافية كي يكون التدريب بأفضل صورة ممكنه".
لكل لجنة مفتاح
بدأ العمل بنظام المدارس الخاصة لتعليم قيادة المركبات عام 2003، حيث يقوم المتدرب بالتسجيل في إحدى المدارس، ويخضع لدورة(تدريب عملي ونظري) مدتها 18 يوما، بعدها تأتي لجنة من وزارة النقل لفحص المتدربين نظريا وعمليا ثم ترسل الأسماء الناجحة إلى إدارة المرور حيث تتم عملية الفحص الطبي وبعده يتم منح الشهادة.
ربة المنزل السيدة (أ. هـ) كشفت أنها "سجلت في المدرسة فقط لحصولي على الشهادة وقد دفعت ضعف المبلغ 10000ألاف ليرة, لكي لا أذهب للفحص في المدرسة وكذلك للفحص الطبي في المرور وبالفعل وصلت لي الشهادة وأنا في بيتي ولم أخضع لأي فحص".
في حين وجد (س.ف) انه "يكفي أن يكون لديك معرفة بأحد مهندسي الميكانيك الموفدين من وزارة النقل و معرفة بأحد من المرور حين تخضع للفحص الطبي فتحصل على شهادة سوق -لكل لجنة مفتاح- بدون ذلك فإن أحدا من الطلاب المسجلين في المدرسة لن ينجح لأن الدورة داخل المدرسة لا تؤهل الطلاب للخضوع للفحص أو تعلم قيادة السيارة فالمدرسة هي فقط وسيلة للحصول على شهادة القيادة ".
تجربة أخرى يعرضها (م.م):" سجلت في المدرسة للحصول على شهادة قيادة وكنت أستطيع القيادة قبل الدخول إلى المدرسة ولكن عندما دخلت إلى اللجنة الفاحصة نجحت فقط في اختبار القيادة ولكن رسبت في اختبار الميكانيك وعدت امتحان الميكانيك مرتين وكنت في كل مرة أرسب، اللجنة الفاحصة كانت تسألني عن جزئيات في المحرك صعبة جداً وتحتاج إلى مختص كي يعرفها، وفي المرة الرابعة لجأت إلى أحد الأشخاص من داخل المدرسة لكي يساعدني ويتوسط لي عند اللجنة كي أنجح ولولا ذلك لما حصلت على الشهادة ".
أما السيدة (ر.خ) فتقول " زوجي له معارف عديدة ولأنه لا يسمح لي بالتدريب عند احد فمنعني من الحضور في المدرسة , وقام هو بتدريبي ولم يبقى سوى الشهادة , واحضر لي الشهادة دون الدخول للمدرسة ولا اعرف كيف ذلك "
الواسطة بالإجازات
بعد أن يجتاز المتدربون الدورة "إن التحقوا بها"، تحدد وزارة النقل يوماً للامتحان وتأتي لجنة فاحصة تقوم بفحص عملي ونظري.
أحد المتدربين قال" كل واحد يقدم الامتحان بشكل مختلف عن الأخرى حسب واسطته فالمدعوم لا يركب السيارة ولا يدخل إلى قاعة الفحص النظري وإنما يأتي فقط ليثبت وجوده، أما الغير مدعوم فإما الدفع أو الرسوب , فالواسطة موجودة بالتأكيد وتأتي من بعض المعنيين في أغلب الأحيان".
وكشف أحد أصحاب المدارس :"لا أستطيع أن أرفض طلب لإنجاح أحد المتدربين لأحد الأصدقاء أو إن كلمني أحد المسؤولين لإنجاحه، فهي عمليات مجاملة متبادلة فقد يكون الطالب عزيزاً علي أو مهماً، أو لأي غرض وبالتالي لا أستطيع الرفض، وما أجمل الواسطة بشهادة القيادة أمام الواسطة بالشهادات الأخرى..!".
وقال (م.ن)"بعد أن نجتاز الفحص بالمدرسة نأتي للمرور وهنا الواسطة يأتي دورها فالسماسرة الواقفة أمام باب الفحص الطبي في المرور تلعب دورها بالاتفاق مع اللجنة الفاحصة فإما أن تدفع وتنتهي بسرعة أو لا تدفع ولا تنجح ".
هل التدريب كاف..!
جانب اخر للقضية حيث عبر عدد من المتدربين والمدربين بان ما يتلقاه الشخص الملتحق بالمدرسة من تدريب عملي غير كاف لتأهيله للقيادة، حيث يصل عدد المتدربين على السيارة الواحدة أربعة , ومدة التدريب يوميا 45 -60 دقيقة لأربع متدربين تقسم عليهم, وكل شخص بالتالي يحصل على عشر دقائق لتدريب العملي داخل المدرسة.
وقال المتدرب (م. غ) :" إن مدة 15 دقيقة يوميا لمدة 18 يوم لا تكفي, نحتاج لدروس عملية أكثر ولاسيما هناك تفاوت في الاستيعاب بين الأشخاص فما يكفي لشخص في يوم لا يكفي آخر بعشرة أيام مثلا , والتدريب في المدرسة لا يكفي وإنما لابد أن يكون هناك تدريب داخل المدينة ".
من جهته اعتبر مدير إجازات القيادة في وزارة النقل هشام كدكوي ان " اللوم هنا يقع على عاتق المتدربين لأنهم لا يطالبون بحقوقهم وذلك لعدم درايتهم بالنظام، يحق لكل طالب ساعة كاملة من التدريب العملي يومياً، وليس (7 أو 10) دقائق وبالطبع هذا لا يناسب أصحاب المدارس لأنه يترتب عليه صرف بنزين أكثر وإصلاح سيارات، وموظفين أكثر".
واوضح كدكوي بان "تجربة مدارس تعليم القيادة جديدة في سوريا ،وأية تجربة في البداية لا تكون ناجحة بالكامل، إذ لا بد من وجود أخطاء في أي تجربة ومع مرور الوقت وأثناء التنفيذ نكتشفها ونحاول تصويبها وتعديلها، ولذلك وضعنا نظام داخلي جديد سيغير كل آليات التدريب في المدارس، في النظام الجديد سيكون هناك دورتين دورة للجانب النظري ودورة للجانب العملي".
وأردف " إن وزارة النقل تقوم حالياً بتنظيم أمور المدارس مستفيدة من تجارب البلدان الأخرى مثل دبي, و كذلك استعانت بخبراء فرنسيين وبريطانيين من خلال إقامة ورشات عمل، وأصدرت الوزارة كتاباً (دليل السائق) يحصل عليه كل طالب يؤهله للدراسة النظرية إضافة أنها ستخضع المدربين إلى دورات تدريبية تؤهلهم كي يصبحوا مدربين أكفاء ويحملون تراخيص للتدريب وبشروط معينة "
بينما اشتكى مدير مدرسة المستقبل لتعليم قيادة السيارات مرهف عبد ربه من ان "المبلغ الذي يدفعه المتدرب لا يعادل ما نقوم بصرفه على البنزين, فالمدرسة تدفع 1050ل. س ثمن البنزين لكل طالب , ولذلك عدد الساعات العملي قليل لان الرسم قليل , وحسب النظام الجديد عدد الساعات كبير ولا يتناسب مع الرسم وسيكون هناك طبعا زيادة على الرسم وقد يصل لحدود 15000 – 20000 ل.س "
نظام جديد سيلغي الواسطة
وحول الكلام عن "الواسطة" ودفع الاموال رأى مدير الإجازات كديكوي بان" النظام الجديد للتدريب، سيقضي على الواسطة 100% لان الفحص المؤتمت عبارة عن أسئلة توضع لكل جهاز بشكل عشوائي وهذه الأسئلة من ضمن الكتاب الموزع على الطلاب وهو مرفق بـ CD يوضح الأسئلة التي ستطرح خلال الفحص وما على الطالب إلا حفظ هذه الأسئلة، وبالنسبة للفحص العملي هو الحاسم والطالب الذي يريد النجاح به يجب أن يكون متمكن وذو كفاءة ".
ووصف الكلام عن شهادة دون إجراء الفحص: "عبارة عن مفاخرة من قبل بعض الأشخاص ليس أكثر، فلا وجود للواسطة أبداً وهذا الموضوع قد تراجع بشكل كبير بعد خطوة اللجوء إلى فكرة المدارس الخاصة".
وأضاف "هناك تفتيش ورقابة على الدورتين النظري والعملي فالمهندس الذي يجري الفحص يجب أن يضع العلامات على مسودة ومبيضة ويجب أن يكون هناك تطابق بين الاثنين فلا يمكن أن يضع شخص ما راسب على المسودة ثم يعود ليضعه ناجحاً على المبيضة، هذا مراقب من قبل هيئة الرقابة الداخلية في وزارة النقل حيث تعمل اللجنة عقب كل فحص على المقارنة بين نتائج المبيضة والمسودة " .
وعن السبيل لتخفيف الحصول على الشهادة رغم عدم نجاح المتدرب اقترح مرهف عبد ربه "أن يدفع مثلا من كل طالب 50 ل.س وقت الفحص وبذلك نخفف من الرشوة التي تعطى للجنة المسؤولة وقت الفحص, فالمهندس يأتي من الساعة 8 حتى الساعة 4 مساء وبالطبع هذا لا يتناسب مع الراتب الذي يأخذه فيدفعه ذلك إلى قبول الرشوة ".
أهمية التدريب خارج المدرسة
التدريب داخل المدرسة فقط لا يهيئ المتدرب للقيادة داخل المدينة، هذا ما يسبب الحوادث بحسب رأي مدرب في واحدة من تلك المدارس.
ويرى احد المدربين (خبرة 10 سنوات في تعليم قيادة السيارات) " الفترة التدريب كافية للحصول على الشهادة، لكن هذا لا يكفي لتخريج سائق يدخل مركز المدينة، ولكنه يتعلم المبادئ الأساسية للقيادة - الإقلاع- آداب القيادة - غمازات وكيفية التعامل مع الآخرين استعمال المرايا - الأضواء الأمامية والخلفية وكيف يقود عندما تنطفئ السيارة ".
ويتابع قائلا "المدرسة تؤهل المتدرب بنسبة 25% للقيادة داخل المدينة، لذلك نحن نطمح لأن يكون هناك تدريب في داخل المدينة لأن هذه المشكلة كبيرة وهي من أهم الأسباب التي تؤدي إلى الحوادث ".
اما مدير المدرسة عبد ربه فقال " قمنا بالاتصال مع الجهات المعنية لأخذ الموافقة لتدريب الطلاب ضمن المدينة وكان الرد من الوزارة بتدريب الطلاب في المنطقة الواقعة بها المدرسة بحدود 3 كم، ولكن عند تنفيذ ذلك واجهنا عدم تعاون شرطة المرور معنا , فاخذ المرور يلاحقنا بالمخالفات رغم وجود القانون الذي يسمح بذلك".
ولفت المهندس عامر في مدرسة المستقبل لتعليم قيادة المركبات الى ان "هناك الوسائل البصرية التي تساعدنا كثيراً والتي تختصر الوقت والجهد بالإضافة إلى الأشكال التوضيحية فالصورة أحسن بكثير من الكلمة فالفيديو المصور يفيدنا كثيرا ويختصر الفكرة موضوع الفكرة بصورة جيدة ويستطيع فهمها الجميع نتيجة وجود مستويات تعليمية متعددة داخل الدورة الواحدة ".
وعن المعوقات في الجانب النظري قال:" أهم هذه المعوقات هو عدم الالتزام في الحضور من قبل الطلاب فأنا أقترح أن تكون هناك نسبة معينة من الدوام للطلاب المتدربين لكي يستطيعوا أخذ الشهادة ".
مقترحات للحل
أهمية تأهيل السائقين تأتي في ظل معلومات تتحدث عن وصول عدد ضحايا حوادث السير سنويا الى نحو 2500 شخص وعدد الجرحى إلى نحو 15 ألف والخسائر المادية نحو 10 مليار.
مدير إجازات السوق هشام كدكوي وجد الحل في النظام الجديد الذي تعمل الوزارة عليه "سيكون هناك دورتين الأولى ستكون للجانب النظري وتعليم مبادئ القيادة والثانية ستكون ضمن المدينة، فالنسبة للدورة النظرية ستكون مدتها 15 ساعة على مدى 6 أيام وضمن هذه الدورة يتم إعطاء قسم للعملي داخل المدرسة للتعلم على مبادئ القيادة وكيفي الإقلاع والوقوف".
أما الدورة العملي فقال " مدتها 12 يوم وستكون خارج المدرسة أي ضمن المدينة وأعتقد أن هذا النظام سيقضي على كل المخالفات التي كانت ترتكب في السابق وسيتم تخريج الطلاب من المدرسة مؤهلين 100% للقيادة السيارة داخل المدينة".
في حين وجد خبير في سلامة النقل والوقاية من الحوادث محمد الكسم ان الحل في "إحداث معهد وطني لإعداد وتخريج المدربين والفاحصين، وتفعيل دور مدارس تعليم القيادة من "الهزيل الشكلي" إلى "الفعلي ملموس" عبر تطبيق قواعد صارمة تضمن دوام الطالب الجديد لعشرين ساعة تدريب نظري على الأقل,تتبعها (20) ساعة تدريب عملي"
وتابع الكسم قائلا "لابد من وجود جهاز (محاكاة القيادة الآلي) بكل مدرسة, كونه يمتحن قدرة السائقين آلياً بلا تدخل بشري مع وجود تسجيل بالصوت والصورة، ويدرب أو يمتحن القيادة بمختلف حالات الطرق والطقس بلا مخاطرة بحياة الناس على الطرق الحقيقية وبتكلفة مادية أقل كمرحلة اولى تسبق الامتحان العملي على الطرقات"، لافتاً الى ضرورة "اخضاع السائقين القدامى الذي يودون تجديد شهادة القيادة لامتحان نظري على الكمبيوتر وآخر على جهاز محاكاة القيادة"
أما مدير مدرسة المستقبل مرهف عبد ربه فرأى الحل في " إشراك المدارس في ورشات العمل والندوات ومناقشة القانون الجديد لأن المدارس هي الطرف الأساسي في ذلك"
ولفت الى ضرورة " تخفيف أسئلة الميكانيك فبعض المهندسين يوجهون أسئلة للطلاب لا يستطيع بعض الأحيان الاختصاصي في الميكانيك الإجابة عليها، و إيجاد فئة من الشهادات للسيارات الأتوماتيك بسبب انتشار هذه السيارات بكثرة في هذه الأيام، وإدراج ما يسمى تعليم الإسعافات الأولية ضمن القانون الجديد لأنها مهمة جداً بالنسبة للطالب المتدرب ".
مراسلكم امير الجمال _ كلنا سوى _ دمشق _ لجنة فحص السائقين